آخر الاخبار

الثلاثاء، ديسمبر 09، 2014

ممدوح شاهين و"دولة المماليك"

ممدوح شاهين و"دولة المماليك"

خليل العناني
9 ديسمبر 2014

لم تأت "التسريبات" الأخيرة التي فضحت مؤامرة "جنرالات" الجيش والشرطة في مصر ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي، بجديد، وإنما أكدت ما هو ثابت ومعروف، وهو أن "محاكمة" مرسي وقيادات الإخوان المسلمين ليست سوى مسرحية هزلية ملفقة من الألف إلى الياء. لم نكن فى حاجة لنعرف ذلك، لكن المفاجئ هو ذلك المستوى الرديء لهؤلاء الجنرالات، فكراً وأسلوباً ولغة. ويظل بطل هذه المسرحية الهزلية بلا منازع هو اللواء، ممدوح شاهين، المستشار القانوني للمجلس العسكري الحاكم. ولمن لا يعرفه من القراء، فاللواء شاهين هو ذلك الرجل الذي ظهر بكثافة، إبان الفترة الأولى لحكم المجلس العسكري، بعد خلع حسني مبارك، وكان يطوف القنوات الفضائية بحقيبة أوراق ومستندات، ويتحدث بطريقة لافتة، صوته فيها أقرب إلى صوت الفنان الراحل سعيد صالح. وهو الرجل الذي كان يثرثر كثيراً، ويبدو حافظاً (وليس بالضرورة فاهماً) قوانين الدولة المصرية، ولوائحها وثغراتها بشكل لافت. وهو الشخص نفسه الذي كان مكانه محجوزاً، دائماً، في لجان كتابة الدستور المصري طوال مرحلة ما بعد الثورة، بما فيها مرحلة الإخوان، وحتى استعادة العسكر السلطة، بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013.
كان شاهين مندوب العسكر فى "تضبيط" وضمان امتيازاتهم السياسية والقانونية التي تضمن دسترة وشرعنة "حصتهم"، ووضعهم فى أي عملية سياسية في المرحلة الانتقالية. ومن الواضح أن الرجل كان، وربما لا يزال، محل ثقة للعسكر فى التفاوض مع المدنيين، فيما يخص الوضع القانوني والدستوري لهم. ومن الواضح أن اختيار شاهين للقيام بهذه المهمة لم يكن نتيجة قدرات "خارقة"، فهو أبعد ما يكون عنها، أو لكاريزميته (غير الموجودة أصلا)، وإنما لسبب بسيط، هو أنه "موظف ملتزم" يحفظ قواعد البيروقراطية المصرية الشائخة، ويبدو عالماً بدهاليزها ولوائحها المعقدة، ما يجعله مفاوضاً جيداً مع المدنيين، وهو ما قام به فعليّاً بعد الثورة مباشرة، وفي أثناء حكم "الإخوان" ثم في لجنة "الخمسين" التي تم تعيينها بعد الانقلاب. أو بالأحرى فهو محامي دولة "المماليك الجدد"، وحامل أختام دساتيرها وقوانينها.
في التسريب الصوتي المُشين، استخدم شاهين كل ألاعيبه وحيله ومهاراته القانونية والبيروقراطية، من أجل "تضبيط" و"تلفيق" مكان احتجاز مرسي، من خلال إقناع الأطراف المتورطة في هذه "الجريمة" من الجيش والداخلية والنيابة بالحبكة المطلوبة، لتزوير الوقائع على الأرض، حتى لا "تبوز" قضية التخابر التي يُحاكم فيها مرسي، ومن معه. وقد بدا الرجل، أشبه بمحامي "درجة ثالثة"، مكوكيّاً، يحاول، بكل جهد، إرضاء عملائه، من خلال تأكيد الالتزام بالأوراق الرسمية المطلوب "تزويرها"، والاهتمام بأدق التفاصيل، حتى لا تضيع القضية من بين أيديهم، إذا ما تم التحقيق فى مكان احتجاز مرسي، والطعن بخطأ الإجراءات الجنائية وتتم تبرئته، وذلك مثلما حدث مع مبارك الذي تمت تبرئته بخطأ إجرائي مقصود. وبعد هذه "الفضيحة"، ليس مستبعداً أن يكون شاهين نفسه العقل المدّبر للتهم الموجهة إلى مرسي وقيادات الإخوان، و"الملّفِق" لأدلتها، والمحرِّك لادعاءات النيابة بها. فهو الوحيد الذي يأتمنه العسكر على مثل هذه القضايا، باعتباره "خبيرهم" القانوني.

لا يختلف أداء شاهين كثيراً عن أداء اللواء، إبراهيم عبد العاطي، صاحب براءة اختراع "علاج الإيدز بالكفتة"، فكلاهما قائم على الكذب والتزوير والاستخفاف بعقول البشر. فالرجل اختلق واقعاً غير موجود بطريقة أورويلية، لم يكن لجورج أورويل نفسه أن يتخيلها في كتاباته، قام فيه بتزوير التاريخ والمكان والشخوص والعلامات، من دون أن يهتز له جفن، أو يئن له ضمير. وهو لم يكتف بإقناع وزير الداخلية (ويا للمفارقة) بتزوير تاريخ إنشاء المكان الذي تم احتجاز مرسي فيه، بعد اختطافه عشية انقلاب الثالث من يوليو 2013 فقط، وإنما، أيضاً، أقنع النائب العام وقائد القوات البحرية بالاشتراك فى جريمة "التزوير".
وليس أسوأ من "فضيحة" شاهين، ومن معه، سوى رد الفعل الهيستيري من كل أجهزة الدولة ومنصّاتها الإعلامية التي بدأت هجوماً معاكساً للتعمية على "فضيحة" التسريبات، والتقليل من أثرها وتوابعها، وهو ما فشلت فيه حتى الآن. أما الأكثر سوءاً فهو البيان الهزيل الصادر عن مكتب النائب العام، والذي بدلاً من أن يداري الفضيحة، بفتح تحقيق جاد حول "مضمون" التسريبات، وليس كيفية تسريبها، أطلق كلمات التهديد والوعيد لكل من ينشر التسريبات، أو تداولها، وكأنه يعيش في عصر الأحبار والأوراق الصفراء.
شاهين" هو محامي الجيل الجديد من "دولة المماليك" التي نشأت في عهد حسني مبارك، وتوغلت أواخر عهده. وإذا كان "ترزية" القوانين فى عهد مبارك، أمثال زكريا عزمي وصفوت الشريف وكمال الشاذلي، قد امتلكوا قدراً عاليّاً من الذكاء والمهارة السياسية، بحيث لم يتم كشف زيفهم وتزويرهم التاريخ، فإنه ليس لدى محامي و"ترزجية" "المماليك الجدد" الحد الأدنى من المهارة أو الذكاء، بعد أن فشلوا في إخفاء جريمتهم وفضيحتهم التي ستظل وصمة عار، تلاحقهم أينما ذهبوا.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/93905fd2-a201-4ef5-a834-7b730e9d6a53#sthash.LayfPytk.dpuf

ليست هناك تعليقات: