أمريكـــــا تدق طبــــول الحــــرب ضــــد الغـــاز العــــــربي

أمريكـــــا تدق طبــــول الحــــرب ضــــد الغـــاز العــــــربي

إشراف‏:‏ محمد فاوي

صدق أو لا تصدق‏...‏أصبحت الولايات المتحدة من بين مصدري الغاز الطبيعي اللافتين للنظر علي المستوي العالمي‏...‏تري كيف حدث هذا التطور الإقتصادي المذهل؟‏...‏

كيف تحول أكبر اقتصاد في العالم من ثاني أكبر مستهلك للطاقة علي وجه البسيطة ـ بعد الصين ـ إلي مصدر للطاقة يشار له بالبنان في أسواق الغاز الدولية؟

كلمة السر هنا هي تكنولوجيا جديدة ترمي لاستخراج نوع من الغاز الطبيعي يدعي‏''‏ الغاز الصخري‏''‏ أو‏''‏ الغاز الحجري‏''shalegas,‏ وتدعي هذه التقنية‏''‏ التكسير الهايدروليكي‏''‏ فهذه التكنولوجيا تنذر بتحقيق انقلاب واسع النطاق‏,‏ وعميق التأثير علي عملية انتاج وتصدير وتسعير الغاز الطبيعي علي مستوي العالم كله‏,‏ بل وبشكل ألحق ـ فعلا ـ ضررا فادحا بأسعار الغاز العالمية بصورة ربما لم يسبق لها مثيل في تاريخ قطاع الطاقة‏,‏ وعلي نحو قد يؤذي بشكل بالغ الدول العربية التي تعتمد اقتصادياتها بشكل كبير علي انتاج وتصدير هذه السلعة الحيوية مثل روسيا وإيران‏.!!!!‏

ولكن ما هو المقصود أصلا بتقنية‏''‏ التكسير الهايدروليكي‏''‏؟

لتوضيح ماهية هذه التقنية نقول إنه في العادة‏,‏ يكون من السهولة بمكان استخراج الغاز الطبيعي التقليدي من التكوينات الصخرية التي تتمتع بدرجة عالية من المسامية‏,‏ اي تلك التي تحتوي علي كم كبير من المسام التي تسمح بتسرب الغاز عند ممارسة الضغط عليها بأي طريقة كانت‏.‏

ويعني هذا الكلام أن التكوينات الصخرية التي تحتوي علي احتياطيات ضخمة من الغاز‏,‏ لكنها لا تتمتع بدرجة كافية من المسامية يكون من الصعوبة بمكان جدا استخراج الغاز منها‏.‏

وحتي إن استطاعات الشركات النفطية الكبري استخراج هذا الغاز الصخري بالطرق التقليدية‏,‏ فإن عملية الإستخراج في هذه الحالة تكون مكلفة للغاية‏,‏ ومن ثم يكون من غير المجدي اقتصاديا المضي قدما في عملية استغلال هذه الإحتياطيات من الغاز‏.‏

ثورة تقنية أمريكية

لكن الذي حدث خلال السنوات القليلة الماضية‏,‏ هو أن افلح الأمريكيون في ابتكار تقنية جديدة قادرة علي استخراج‏''‏ الغاز الصخري‏''‏ بكميات تجارية وبسهولة لافتة‏,‏ وهي التقنية المعروفة باسم‏''‏ التكسير الهايدروليكي‏''.‏

وتتمثل هذه التقنية الثورية الأمريكية المبتكرة في حقن الصخور غير المسامية التي تحتوي علي الغاز الطبيعي بكميات ضخمة من المياه والكيماويات علي نحو يؤدي إلي انطلاق الغاز من محبسه الصخري‏,‏ ولذلك سمي هذا النوع من الغاز باسم‏''‏ الغاز الصخري‏''‏ او‏''‏ الغاز الحجري‏''.‏

وبالفعل استخدمت الولايات المتحدة ـ التي تسعي منذ عقود إلي الحد من اعتمادها علي مستوردات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط ـ هذه التقنية لتحرير كميات ضخمة من الغاز الصخري في أراضيها من ربقة صخورها الصلدة العنيدة‏.‏

وكانت النتيجة بالفعل مذهلة أو هكذا يقول الأمريكيون‏.‏

اكتفاء ذاتي

باختصار يتحدث الأمريكيون الآن عن‏''‏ ثورة‏''‏ في قطاع الطاقة اسمها‏''‏ الغاز الصخري‏'',‏ إذ تمكن العم سام من تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز الطبيعي‏,‏ بل وشرعت الولايات المتحدة في تصدير انتاجها الفائض من هذه السلعة الإستراتيجية للخارج‏.‏

أكثر من ذلك صار هناك من يتحدث عن أن قطاع النفط الأمريكي نفسه قد يكون هو الآخر قاب قوسين أو أدني من ثورة تكنولوجية مماثلة للثورة التي يحتضنها الآن قطاع الغاز في تلك الدولة‏,‏ وذلك بمعني أنه قد يكون في الإمكان ان يستغل الأمريكيون نفس هذه التقنية الجديدة في تعظيم انتاجها من النفط البالغ حاليا أكثر من تسعة ملايين برميل يوميا‏(‏ أي ما قد يقترب من إجمالي انتاج السعودية من النفط‏).‏

ولكن كيف كانت تداعيات هذه التقنية بالنسبة لأسعار الغاز العالمية؟‏.‏

كان لزيادة انتاج الولايات المتحدة من الغاز وتحقيقها لإكتفاء ذاتي من هذا النوع من الوقود تأثير سلبي هائل علي اسعار الغاز العالمية‏.‏ فقد هوت هذه الأسعار من مستوياتها التي كانت تتراوح بين احد عشر واثني عشر دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلي ما يتراوح الآن بين ثلاثة وأربعة دولارات فقط في الوقت الراهن‏.‏

أكثر من ذلك فقد قلبت الزيادة الإنتاجية العالمية في الغاز الصخري المعادلة السعرية التقليدية للغاز والنفط بشكل مروع‏.‏

فبعد أن كانت النسبة بين سعر برميل النفط الواحد وسعر الغاز تسعة إلي واحد‏,‏ وهو ما كان يعني أن سعر النفط في الأسواق العالمية يعادل تسعة اضعاف سعر الغاز‏,‏ أصبحت هذه النسبة الآن تبلغ أربعة وعشرين إلي واحد‏,‏ وذلك كله جراء التدني الرهيب في أسعار الغاز العالمية مقارنة مع الصعود المضطرد في أسعار النفط‏,‏ وذلك كله جراء التوسع الكبير في الإنتاج الأمريكي من الغاز الصخري‏.‏

ولعل هذا ما دفع خبير استراتيجي مثل جون دويتش المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلي وصف هذا التطور بأنه‏''‏ ثورة تكنولوجية‏''‏ ستكون لها تداعيات جيوسياسية بالنسبة للعالم بأسره‏.‏

العصر الذهبي للغاز

وحتي الوكالة الدولية للطاقة‏,‏ وصفت هذا التطور التكنولوجي اللافت في قطاع انتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بأنه بمثابة‏''‏ العصر الذهبي للغاز‏''.‏

وبالتأكيد‏,‏ فإن الدول الغربية سعيدة ايما سعادة بهذا التطور لانها تدرك دوما أن حضارتها المادية لن يكتب الاستمرار إلا عبر ضخ المزيد من الموارد للطاقة الرخيصة‏.‏

بالاختصار اصبح‏''‏ الغاز الصخري‏''‏ لاعبا ذا بأس كبير في معادلة الطاقة العالمية او هكذا يري الكثير من المحللين الغربيين‏.‏

فقد قفز انتاج الولايات المتحدة من هذا النوع من الغاز من حوالي ثلاثمائة وتسعين مليار قدم مكعب في عام الفين إلي حوالي خمسة تريليونات قدم مكعبة في عام ألفين وعشرة‏.‏

يمثل هذا الرقم حوالي ثلاثة وعشرين في المائة من انتاج الغاز الطبيعي الأمريكي‏.‏

ومن المتوقع ان يتعاظم الانتاج الأمريكي من هذا الغاز بمرور الأيام أكثر فأكثر‏.‏

وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة أن أمريكا تتمتع باحتياطيات غاز قابلة للاستخراج بعد اكتشاف هذه التقنية تبلغ ثمانمائة وستين تريليون قدم مكعب‏.‏

وتعني هذه التقديرات ببساطة أن يوفر للولايات المتحدة حاجاتها من الغاز الطبيعي لمدة أربعين سنة‏,‏ وذلك إذا أخذنا في الاعتبار المعدلات الإستهلاكية الراهنة‏.‏

ويبلغ حجم الإحتياطيات العالمية من الغاز الصخري ستة آلاف وستمائة تريليون قدم مكعب من الغاز اي انها تعادل تقريبا حجم الإحتياطيات العالمية المؤكدة من الغاز التقليدي‏.‏

أما الدول التي تتمتع باحتياطيات كبيرة من هذا النوع من الغاز فهي‏:‏

الصين‏,‏ والارجنتين‏,‏ والمكسيك وجنوب أفريقيا‏,‏ وكندا‏,‏ وليبيا‏,‏ والجزائر‏,‏ والبرازيل‏,‏ وبولندا‏,‏ وفرنسا وذلك حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية‏.‏

كما أن هناك احتمالات كبيرة بوجود كميات من ذلك الغاز في روسيا‏,‏ وآسيا الوسطي‏,‏ ووسط أفريقيا والاردن‏.‏

عرش الطاقة

وتتوقع شركة بي بي ـ او بريتش بتروليوم سابقا ـ البريطانية ان ينافس الغاز الفحم والنفط علي عرش الطاقة العالمي بحلول عام ألفين وثلاثين بعد بزوغ نجم هذه التقنية الجديدة‏.‏

لكن ثمة مشكلة شديدة التعقيد مرتبطة بمسألة التوسع في تكنولوجيا‏''‏ التكسير الهايدروليكي‏''‏ تتمثل في ان هذه التقنية تتطلب استخدام كميات هائلة من المياه والكيماويات عالية السمية وهو ما قد يؤدي لتفاقم تلوث البيئة وتدمير المياه الجوفية في المناطق التي يجري استخراج الغاز منها بهذه الطريقة‏,‏ بل واحتمال اصابة قطاعات هائلة من سكان هذه المناطق بأمراض خطيرة مثل السرطان‏.‏

فعلي سبيل المثال فان عملية حفر البئر الواحدة من آبار الغاز الصخري قد تحتاج ما بين مليونين وأربعة ملايين جالون من المياه‏,‏ وما قد يصل إلي ستين ألف جالون من الكيماويات الشديدة السمية‏.‏

ويقر الكثير من المراقبين النفطيين العرب بخطورة الموقف في قطاع الغاز جراء هذه التطورات لكنهم يهونون من تأثير استغلال هذا التطور التكنولوجي في قطاع النفط العالمي إذ يقول احدهم‏''‏ بغض النظر عن إيجابيات صناعة الوقود الحجري وسلبياتها‏,‏ ينبغي ملاحظة أن حجم النفط المستخرج من هذا المصدر الجديد لا يزال محدودا‏,‏ وليس له تأثير مهم في تجارة النفط الأمريكية نفسها‏,‏ ناهيك عن تجارة النفط العالمية‏.‏

لكن‏,‏ يتوقع تدريجيا زيادة كميات الإنتاج في الولايات المتحدة إلي نحو مليوني برميل يوميا مع نهاية هذا العقد‏''.‏

واضاف قائلا‏''‏ لكن تأثير هذه الكمية المتوقع سيكون محدودا نسبيا أيضا‏.‏

غير أنه من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذا التوجه ربما يعطي زخما أقوي لسياسة‏''‏ استقلال الطاقة‏''‏ الأمريكية التي تنادي بها العديد من الجماعات والأحزاب السياسية‏,‏ ومع ذلك فمن غير المتوقع في المدي المنظور أن تنجح هذه السياسة في إيقاف الاستيراد الأمريكي للنفط الذي يعادل حاليا نحو‏10‏ ملايين برميل يوميا‏''.‏

ضرب إيران وروسيا

من المرجح أن يسعي الغرب إلي استغلال احتياطياته الهائلة من الغاز الصخري لوقف اعتماده علي الغاز الروسي والإيراني بصورة قد تضرب المصالح الإقتصادية لهاتين الدولتين فيالصميم خاصة ان اوروبا تحصل علي خمسة وعشرين في المائة من حاجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا‏,‏ وهو الأمر الذي كان يتيح لموسكو امكانية استخدام هذه السلعة الإستراتيجية كورقة ضغط علي القارة الأوروبية العجوز‏.‏

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أنه مع بدء اكتشاف الغاز الصخري في اوروبا اضطرت روسيا فعلا إلي تخفيض اسعار غازها بنسبة ثلاثين في المائة في مطلع العام المنصرم‏.‏

كما انه من شأن التوسع في انتاج الغاز الصخري أن يفاقم حدة المنافسة بين الدول الكبري المنتجة والمصدرة للغاز مثل قطر وإيران وروسيا والجزائر ومصر عبر تخفيض الأسعار علي نحو قد يحبط مساعيها الرامية إلي اقامة تكتل لصناعة الغاز علي غرار تكتل منظمة اوبك‏.‏

أما بالنسبة إلي الاقتصاديات الكبري الصاعدة مثل الصين‏,‏ فإن من شأن اقدام هذه الاقتصاديات علي استغلال احتياطياتها من هذا النوع من الغاز ان يحد من مستورداتها من منطقة الشرق الأوسط‏.‏

ولعل أخطر ما في هذا الموضوع أن الولايات المتحدة زودت الصين بهذه التقنية الجديدة المذهلة كي يفك العملاق الإقتصادي الصيني ارتباطه العضوي بدول مثل إيران‏.‏

أكثر من ذلك فان توسع الولايات المتحدة في انتاج الغاز الصخري قد منح‏''‏ قبلة حياة‏''‏ جديدة لصناعة البتروكيماويات الأمريكية‏,‏ وبصورة صارت تهدد مراكز صناعة البتروكيماويات في منطقة الخليج‏,‏ وفي القارتين الآسيوية والأوروبية وهو الأمر الذي انعكس في زيادة الصادرات الأمريكية من المواد البتروكيماوية إجمالا‏,‏ وبصورة من شأنها العمل علي الحد من عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة مع بقية دول العالم‏.‏